أدوية الإنفلونزا .. تنامي حجم السوق حول العالم مع تزايد أعداد المصابين

مع دخول فصل الشتاء، يصاب الملايين من الأشخاص حول العالم بفيروس الإنفلونزا، وفي محاولة للتغلب عليه تتكدس المنازل بالعديد من الأدوية المخصصة لعلاجه، أو التخفيف من حدة أعراضه، فيما يفضل البعض اللجوء إلى اللقاح في محاولة للوقاية منه.

وتظل الإنفلونزا واحدة من التحديات الصحية العالمية الرئيسية، وهو ما يدفع شركات الأدوية الكبرى للتنافس بشكل قوي للحصول على أكبر حصة في سوق أدوية الإنفلونزا المقدرة بمليارات الدولارات، إذ تعتبر الأكثر انتشارًا واستخدامًا حول العالم.

وذكرت منظمة الصحة العالمية في مقال نشرته خلال عام 2023، أن الإنفلونزا الموسمية تصيب نحو مليار شخص سنويًا، ويصل عدد الحالات الخطيرة جراء الإصابة بهذا الفيروس من 3 إلى 5 ملايين حالة سنويًا حول العالم.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

ويعتقد البعض أن الإصابة بالإنفلونزا أمر بسيط واعتيادي، لكن حقيقة الأمر أنها تتسبب في وفيات تتراوح ما بين 290 و650 ألف وفاة سنويًا، فيما تحدث 99% من وفيات الأطفال في الدول النامية جراء عدوى الجهاز التنفسي المرتبطة بهذا الفيروس.

أوبئة ارتبطت بفيروس الإنفلونزا

فيروس الإنفلونزا هو نوع من الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي لدى الإنسان والحيوانات، ويوجد منه أربعة أنواع رئيسية.

ويمكن أن يصيب النوع الأول الإنسان والحيوانات (مثل الطيور والخنازير)، ويُعتبر الأكثر شيوعًا وقد يسبب أوبئة موسمية وجائحات عالمية.

وأما النوع الثاني فهو يصيب الإنسان فقط، وعادةً تكون أعراضه أقل شدة من النوع السابق، ويسبب أوبئة موسمية، فيما يصيب النوع الثالث من هذا الفيروس الإنسان والخنازير، وعادةً ما يكون أقل شيوعًا وأعراضه خفيفة.

وبالنسبة للنوع الأخير فهو يصيب الحيوانات مثل الأبقار والطيور ولا يؤثر على الإنسان.

وتكمن خطورة فيروس الإنفلونزا في سهولة وسرعة انتشاره، إذ إنه يمكنه الانتقال عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين، أو من خلال الاتصال المباشر مع شخص مصاب.

أبرز الأوبئة المرتبطة بالإنفلونزا في التاريخ:

الإنفلونزا الإسبانية (1918-1919)
 

تتراوح تقديرات عدد الوفيات جراء تلك الجائحة ما بين 50 و100 مليون وفاة، ما يجعلها واحدة من أكثر الأوبئة فتكًا في التاريخ الحديث، وذلك بعدما أصيب حوالي 500 مليون شخص (ثلث سكان العالم في ذلك الوقت).

وانتشر بسرعة بسبب الحرب العالمية الأولى، إذ ساعدت التنقلات الجماعية وسوء الظروف الصحية على انتشار الفيروس.

الإنفلونزا الآسيوية (1957-1958)
 

وتسببت تلك الجائحة في وفيات تقدر ما بين 1-2 مليون شخص، وبدأ في شرق آسيا وانتشر عالميًا، وكان الأطفال وكبار السن الأكثر عرضة للإصابة.

إنفلونزا هونج كونج (1968-1969)
 

تسببت في وفاة حوالي مليون شخص، وكانت هذه الجائحة أقل فتكًا من سابقتها، لكنها أصابت ملايين الأشخاص وأثرت بشكل كبير على الأنظمة الصحية.

إنفلونزا الخنازير (2009-2010)

بلغت الوفيات وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية ما بين 151,7 و575,4 ألف وفاة فيما أصيب نحو 11-21% من سكان العالم.

ويُعتقد أن الفيروس تطور من سلالات فيروسية تنتقل بين الخنازير والبشر، ورغم عدد الوفيات الأقل مقارنة بالجوائح الأخرى، إلا أن سرعة انتشار الفيروس أثارت الذعر عالميًا.

الإنفلونزا الروسية (1889-1890)

قُدر عدد الوفيات بنحو 1 مليون شخص، ولم يكن معروفًا بالتحديد نوعية الفيروس، ولكن يُعتقد أنه كان من عائلة الإنفلونزا.

وانتشر بسرعة كبيرة بسبب تزايد استخدام القطارات للسفر، ما زاد من سرعة العدوى بين الدول.

ولا يُصنف فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على أنه إنفلونزا موسمية، رغم أن كليهما من الأمراض التنفسية المعدية، إلا أن الإصابة بهما ترجع إلى فيروسات مختلفة ولكل منهما خصائص مميزة، بحسب ما ذكرت منظمة الصحة العالمية.

نمو كبير في سوق أدوية الإنفلونزا

يشهد سوق أدوية الإنفلونزا العالمية زيادة كبيرة في النمو بسبب الانتشار المتزايد للعدوى الفيروسية في جميع أنحاء العالم.

ويعكس معدل انتشار الإنفلونزا ضرورة تواصل سعى شركات العقاقير لإجراء مزيد من الأبحاث العلمية بهدف توفير أدوية ولقاحات فعالة في مواجهة الإنفلونزا.

وتشير التقديرات إلى أن سوق أدوية الإنفلونزا التي بلغت قيمتها نحو 7.2 مليار دولار أمريكي في عام 2021، سيصل لنحو 28.3 مليار دولار أمريكي بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي قدره 19.6% حتى نهاية العقد الحالي.

وتستحوذ أمريكا الشمالية على نحو نصف هذا السوق، إذ سجلت 4.3 مليار دولار أمريكي في عام 2023، فيما تتنامى حصة اللقاحات في سوق أدوية الإنفلونزا عامًا بعد عام.

وتتوقع التقارير المعنية بسوق أدوية الإنفلونزا أن تواصل شركات العقاقير توسيع إنتاجها من لقاحات الإنفلونزا بشكل كبير مع تزايد اتجاه الأفراد نحو تحصين أنفسهم سعيًا لتجنب الإصابة بهذا الفيروس.

وتلعب المبادرات الحكومية المتزايدة وبرامج التطعيم الموسعة دورًا محوريًا في دفع النمو داخل سوق أدوية الإنفلونزا من خلال تعزيز الطلب على اللقاحات.

 ومع تركيز الحكومات في جميع أنحاء العالم على الصحة العامة من خلال استراتيجيات التحصين الشاملة، فإن شركات أدوية الإنفلونزا ستستفيد بشكل كبير، إذ تحصل هذه الشركات على عقود مربحة وفرص شراء لتوريد اللقاحات لبرامج التحصين الوطنية.

وعلاوة على ذلك، فإن المشاركة في برامج التطعيم تشكل فرصة لشركات الأدوية لإبراز فعالية وسلامة منتجات الإنفلونزا الخاصة بها، ما يعزز سمعتها ومكانتها في السوق.

ومع إعطاء الحكومات أولوية متزايدة للاستعداد ضد تفشي الإنفلونزا الموسمية والأوبئة المحتملة، يستمر الطلب على اللقاحات والعلاجات المبتكرة في الارتفاع.

فعلى سبيل المثال، بدأت حكومة الولايات المتحدة في ديسمبر 2023 أسبوع التطعيم الوطني ضد الإنفلونزا، وهو احتفال سنوي في ديسمبر لتذكير الجميع الذين تبلغ أعمارهم 6 أشهر أو أكثر بأنه لا يزال هناك وقت للتطعيم ضد الإنفلونزا.

وفي يوليو 2023، أطلقت الحكومة الأسترالية برنامج التحصين الوطني لتعزيز الوصول إلى لقاحات الإنفلونزا للسكان المؤهلين.

ويقدم البرنامج لقاحات الإنفلونزا مجانًا للفئات الضعيفة، بما في ذلك الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر وأقل من 5 سنوات، والنساء الحوامل، والأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر.

في الوقت ذاته، تبنّت فيه العديد من الحكومات خاصة في الدول النامية برامج تطعيم تدعم لقاح الإنفلونزا الموسمية، بهدف تقليل حدة الإصابات بهذا الفيروس الذي قد يكون مميتًا لبعض الفئات من المرضى.

ورغم هذه الجهود، تواجه اللقاحات بعض التحديات مثل الآثار الجانبية المحتملة والتي قد تسبب تأثيرات مختلفة على الجسم مثل الطفح الجلدي والحمى والألم والوجع والقشعريرة والعديد من التأثيرات الأخرى التي تقيد نمو السوق.

كما أن العديد من المناطق الريفية حول العالم خاصة في البلدان النامية لا يتوافر لديها عدد اللقاحات الكافي، هناك نقص في المؤهلات والمعرفة، لذا قد تمثل تلك المناطق سوقًا جيدًا للأدوية الفموية.

وفي العادة تُقسم الإنفلونزا الموسمية وفقًا لأربعة أنواع وتختلف الأدوية المناسبة من نوع لآخر، من أجل السيطرة عليها.

الشركات الرائدة في سوق أدوية الإنفلونزا

يعد سوق أدوية الإنفلونزا من أكثر الأسواق تنافسية على مستوى العالم، حيث يقود العديد من الشركات الكبرى تطوير وإنتاج وتوزيع الأدوية المضادة للفيروسات واللقاحات.

وتُعتبر شركة روش السويسرية من بين أبرز تلك الشركات في هذا المجال، حيث يُعد عقار تاميفلو من أشهر الأدوية المستخدمة لعلاج الإنفلونزا والوقاية منها.

كما أن شركة جلاكسو سميث البريطانية من بين اللاعبين الرئيسيين في هذه السوق عبر عدة منتجات مثل دواء زاناميفير ولقاحات فلواركيس وفلولافل.

أما شركة سانوفي الفرنسية، فتعتبر واحدة من أكبر منتجي لقاحات الإنفلونزا على مستوى العالم، حيث توفر لقاحات موجهة لفئات عمرية مختلفة.

في حين تركز شركة سيكيروس الأسترالية على تطوير لقاحات الإنفلونزا المتقدمة، والتي تستهدف السلالات الموسمية.

ومن بين أبرز اللاعبين أيضًا شركة أسترازينيكا البريطانية والمعروفة بلقاحها الأنفي، الذي يُعد شائعًا بين الأطفال.

وتُشكل هذه الشركات الكبرى ملامح سوق أدوية الإنفلونزا من خلال الابتكار في مجال الأدوية المضادة للفيروسات والتقنيات الحديثة لتطوير اللقاحات، ما يُساعد في تحسين الاستعداد لمواجهة الأوبئة الموسمية في المستقبل.

المصادر: أرقام- منظمة الصحة العالمية- فرانس 24- داتا براديج ماركت ريسرش- فورشين- ستاتيستا- جراند فيو ريسيرش- رويترز