الفيروس ينتشر وأعداد المرضى تتزايد ولكن عدد الأطباء محدود، فما العمل؟.. هذا هو السؤال الصعب الذي واجهه وزير الصحة في إقليم لومباردي الإيطالي "جوليو جاليرا" في مارس الماضي تزامنًا مع تحوّل الإقليم لبؤرة لتفشي فيروس كورونا المستجد في إيطاليا.

 

 

كان الجيش الإيطالي قد انتهى لتوه من إنجاز مستشفى ميداني يحتوي على 32 سريرًا في مدينة كريما الواقعة على بعد 30 ميلاً جنوب شرق عاصمة الإقليم، مدينة ميلانو، تم تجهيز المستشفى بكل شيء، ولكن كانت هناك مشكلة بسيطة: لا يوجد هناك أطباء. في ذلك الوقت كانت القوة الطبية في إيطاليا غير كافية أمام الأعداد المتزايدة من المصابين.

 

عن تلك اللحظة يقول الوزير: "قال لي أحدهم اكتب إلى وزارة الصحة الكوبية واطلب منهم أطباء"، وبعد أقل من أسبوع، وتحديدًا في الثاني والعشرين من مارس الماضي وصل 52 طبيبًا كوبيًا على متن طائرة من هافانا، هبطوا منها بينما يلوحون بالأعلام الكوبية والإيطالية وسط تهليل حشود من الشعب الإيطالي التي تراصت لترحب بهم.

 

 

من أرسل هؤلاء الأطباء إلى إيطاليا هي جهة حكومية في كوبا تسمى وحدة التعاون الطبي المركزية، تقوم منذ أكثر من 6 عقود بإرسال الأطباء الكوبيين إلى دول كثيرة حول العالم ترغب في الاستعانة بخدماتهم، ومع اندلاع أزمة فيروس كورونا، ازداد الطلب على الأطباء الكوبيين، وهو ما دفع الوحدة لإرسال أكثر من ألفي طبيب إلى 23 دولة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا منذ بداية الأزمة.

 

للوهلة الأولى يثير هذا الوضع استغراب الكثيرين؛ فكيف لدولة نامية فقيرة ومحاصرة اقتصاديًا مثل كوبا أن تكون أكبر مصدر للأطباء في العالم؟ وكيف لها أن تسمح بسفر أطبائها للخارج وسط الأزمة الحالية، وهو فعل لم تقم به أي دولة في العالم حتى الآن؟ ولكن عندما يُعرف السبب يُبطل العجب وتزول الدهشة.

 

التعليم والصحة .. أولًا وقبل كل شيء

 

بدأت الحكاية في السنوات التالية للثورة الكوبية التي أطاحت في عام 1959 بالديكتاتورية العسكرية لـ"فولجنسيو باتيستا"، تحت زعامة "فيديل كاسترو" الذي أسس نظامًا شيوعيًا. منذ اللحظة الأولى أصبح كل من الرعاية الصحية الشاملة والتعليم المجاني عنصرين أساسيين في مشروع كاسترو.

 

شعب متعلم وبصحة جيدة.. هذان هما أكبر استثمارين للثورة الكوبية، وبفضلهما تمتلك كوبا الآن موارد بشرية متعلمة تعليمًا جيدًا ونظامًا صحيًا قويًا، يكفي أن تعرف أن متوسط العمر المتوقع في هذه الجزيرة المحاصرة اقتصاديًا من قبل الأمريكيين من أكثر من 60 عامًا أعلى من متوسطه في الولايات المتحدة نفسها، كما أن نصيب المواطن الكوبي من عدد الأطباء يفوق ثلاثة أضعاف نصيب نظيره الأمريكي.

 

 

في عام 1963 وبعد طردها من منظمة الدول الأمريكية بدأت كوبا في إرسال أطبائها للخارج لأول مرة، من خلال إرسال بعثة طبية إلى الجزائر تتكون من 56 طبيبًا كوبيًا وصلوا إلى هناك؛ لكي يحلوا محل الأطباء الفرنسيين الذين اضطروا لمغادرة الجزائر بعد حصولها على استقلالها في عام 1962.

 

ومنذ لك الحين، تحرص كوبا على إرسال فرقها الطبية إلى الخارج لمساعدة الدول التي تتعرض لكوارث طبيعية، وحظى الأطباء الكوبيون بالثناء من قبل وسائل الإعلام العالمية لفاعليتهم في نجدة ومساعدة المصابين في زلزال هايتي في عام 2010 وأثناء أزمة فيروس إيبولا في إفريقيا عام 2014.

 

الرواتب تدفع للحكومة

 

ولكن كوبا لا ترسل أطباءها للخارج لأغراض إنسانية فقط، بل في أكثر الأحيان يكون للأمر طابع تجاري بحت؛ ففي عام 1998 بدأت كوبا في اتباع هذا النهج حين اتفقت مع فنزويلا على مبادلة النفط والمال بعدد محدد من الأطباء والمهنيين، يعمل اليوم في فنزويلا آلاف الأطباء الكوبيين.

 

وفي عام 2013 أبرمت الرئيسة البرازيلية السابقة "ديلما روسيف" صفقة مع الحكومة الكوبية جعلت بلادها ثاني أكبر مستورد للأطباء الكوبيين بعد فنزويلا، وتم الاتفاق على أن تدفع البرازيل إلى الحكومة الكوبية حوالي 3600 دولار عن كل واحد منهم.

 

وفي عام 2009 استقدمت البرتغال أطباء كوبيين تدفع للحكومة الكوبية مقابل الواحد منهم 50 ألف يورو سنويًا. وفي عام 2018 وقعت كوبا عقودًا مشابهة مع كل من الجزائر وكينيا وأوغندا.

 

 

ولكن أليس من المفترض أن تعطي الدول المستقدمة للأطباء الكوبيين رواتبهم بشكل مباشر؟ هذا صحيح ويحصل مع كل الجنسيات، ولكن في الحالة الكوبية الأمر مختلف قليلًا؛ في كوبا توفر الحكومة التعليم المجاني للطلاب وتؤمن لهم كل احتياجاتهم طوال فترة الدراسة، وتعطيهم كذلك رواتب رمزية، مقابل التزام المتخرجين بوضع أنفسهم تحت تصرف الحكومة لفترة من الوقت.

 

وعلى هذا الأساس تقوم الجهات المستقدمة للأطباء الكوبيين بتحويل رواتبهم إلى الحكومة الكوبية والتي تقوم بدورها بإعطاء جزء منها إلى الطبيب وجزء أصغر إلى عائلته في كوبا، بينما تحصل الحكومة على الباقي، والذي تقوم من خلاله بالصرف على التعليم والصحة وتمويل البعثات التي توفر الخدمات الطبية بالمجان للبلدان الفقيرة التي لا تستطيع تحمل التكلفة.

 

قد يحصل الطبيب الكوبي مثلًا على ألف دولار فقط من مرتبه الشهري الإجمالي البالغ 4 آلاف دولار، بينما تضع الحكومة يدها على الباقي والذي تمنح جزءًا منه لعائلته.

 

أكبر كلية طب في العالم

 

على عكس الدعاية الأمريكية المضادة لكوبا في هذا الموضوع تحديدًا، تشير مقابلات صحفية عدة مع الأطباء الكوبيين إلى رضا معظمهم عن هذه السياسة التي يرونها عادلة، خصوصًا أنه حتى الجزء اليسير الذي يحصلون عليه من مرتبهم يعتبر ثروة بالنسبة لهم مقارنة مع متوسط المرتبات في كوبا.

 

واحدة من أهم الجهات التي يذهب إليها جزء من هذه الأموال هي كلية "أمريكا اللاتنية للطب" في العاصمة الكوبية هافانا والتي تعد أكبر كلية طب في العالم، منذ تأسيسها في عام 1998، قامت الكلية بتخريج أكثر من 29 ألف طبيب ينتمون لأكثر من 100 دولة حول العالم.

 

 

بفضل هذه الكلية، يعمل الآن أكثر من 30 ألف طبيب كوبي في 53 دولة حول العالم، وأصبحت الخدمات الطبية تشكل أكثر من 43% من الصادرات الكوبية ونحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتبلغ عوائد الحكومة الكوبية من صادراتها من الخدمات الطبية نحو 11 مليار دولار في العام الواحد.

 

ولا يقتصر الأمر على العوائد الضخمة التي تتجاوز إيرادات القطاع السياحي في البلاد، بل تفتخر كوبا اليوم بامتلاكها واحدًا من أفضل أنظمة الرعاية الصحية في العالم؛ فنظامها الصحي الذي ينافس في مستواه كثير من نظرائه في الدول المتقدمة هو صاحب الفضل في امتلاك الدولة اللاتينية اليوم لواحد من أقل معدلات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا في العالم.

 

المصادر: أرقام – الإيكونوميست – التايم – كلية لندن للاقتصاد – تيد – الباييس – ذا نيشن

1
6
1166

رأي حرّ

منذ 4 سنه

والبعض ينفق على الأسلحة المليارات ونسوا انّ أقوى سلاح هو العلم والصحة . 

3
205
9041

FAWAZ_S

منذ 4 سنه
رداً على   رأي حرّ

اخوى اقوى سلاح فى عصرنا الحالى هو العلم والمعرفة فبفضلهما نستطبع ان نحافظ على الصحة وان نصنع الثروة وان نفعل كل ماتتخيله

11
6
1166

رأي حرّ

منذ 4 سنه
رداً على   FAWAZ_S

نعم . هذا الذي انا قلته العلم اقوى سلاح وأيضاً الصحة فالعقل السليم في الجسم السليم. تحياتي لك

18
43
5110

عاشق المعلومة

منذ 4 سنه
رداً على   رأي حرّ

توسعنا فى الجامعات والمعاهد الدينية وقصرنا فى الجامعات والكليات الطبية. ها نحن ندفع الثمن الآن نحتاج إلى عشرات السنوات حتى نكتفى ذاتيا بأطبائنا الوطنيين. الطريق طويل ولكن الإرادة الصادقة والعمل الجاد أقوى.

20
13
1259

gold dream

منذ 4 سنه
رداً على   عاشق المعلومة

كلامك غير صحيح كثير من الطلاب المتخرجين من الثانويات و بمعدل فوق ٩٦ علمي يريدون الالتحاق في الجامعات في الطب و الجامعات تريد معدلات ٩٩ أو ١٠٠% أو واسطة يعني الخلل في من يدير التعليم و الجامعات .

25
44
4367
رداً على   gold dream

أظنه يتفق معك فيما تقول ولكن لو دققت في أغلب ردوده تجده يلمز الدين وأهل الدين في كل شاردة وواردة ولذلك رد هذا المؤدلج كان يقصد به الجامعات والمعاهد الدينية ليس إلا 

27
43
5110

عاشق المعلومة

منذ 4 سنه
رداً على   gold dream

ياجولد/ وهذا ما أعنيه تماما إقرأ مداخلتى رجاء. أنا أعرف أنه لا أنت ولا أنا من يبنى الجامعات والمعاهد ويخطط لإستراتيحية البلاد التعليمية !

2
212
5318

SAYYED HUSAIN

منذ 4 سنه

اقتباس "  التعليم والصحة .. أولًا وقبل كل شيء  "

طبعا لا يحتاجون لذكر محاربة سرطانات العالم الثالث كالفساد وعدم المساواة وغيرها

لأنهم تجاوزوها بمراحل

4
205
9041

FAWAZ_S

منذ 4 سنه

اما الهياط الفاضى ومزاين الابل والكزس والرينج روفر فهى خسائر مؤكدة فى حال كونك لاتملك العلم والمعرفة 

14
1
1328

ابو وارد

منذ 4 سنه
رداً على   FAWAZ_S

احسنت 

5
6
1245

TURKI00

منذ 4 سنه

العلم يرفع بيوت لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والشرف

6
6
1245

TURKI00

منذ 4 سنه

العلم ليس بكثرة عدد المدرسين ولكنه بجودة المعلمين واخلاصهم وتفانيهم ثم ان تهيئة بيئة علمية ممتازة تخرج جيل مميز ومبدع ، فكم من مدارس اهلية سيئة الذكر والتعليم تخرج مئات وربما الاف الفاشلين بتقديرات عالية من اجل المال الذي القائم على ارباحها فهؤلاء الطلبه  الاولى بهم المدارس المهنية بدل تكدس الجامعات بهم في تدوير تعليمي لا فائدة من بعضه او اكثره

7
0
64
الاكيد ان هاللي رافعين صورته (فيدل كاسترو) ناكبهم من ستين سنه شعب مقتول الطموح
8
5
717

البراحه

منذ 4 سنه
العلم ثم العلم ثم العلم هو السلاح الذي تتفوق فيه الأمم
9
7
789

Al tamimi12

منذ 4 سنه

هذا يوجه انذارا شديد الحجة لكل المنادين بتغليب الكم على الكيف والحاجة كما قيل في السابق ام الاختراع والتخصصات المطلوبة والمرغوبة في العالم معروفة وهاهي اليابان و سنغفورة اكبر الامثلة وانجحها في الاستثمار الجيد في عقول مواطنيها...

10
10
2105

ابويوسف1

منذ 4 سنه

شارع ماعرفناك مضبوط

بصراحه كوباعنايهو صحه متقدمه وتعليم راقي لكن شعب فقير وجوعان وكثير من الشباب يتجه للمخدرات والجريمه

اذا اردت القياس لاي مجتمع لابد تنظر لمستوى الدخل ومعدل الجريمه ومعدل ونسبه الفقر وطبعا تعليم وصحه

12
1
285

مدرس رياضة

منذ 4 سنه
العلم ليس بمناهجنا الحالية احفظ وانجح العلم اذا تبعه تطبيق صناعي او كيميائي او مهني واخذت من وراه انتاج واذةدخلت عمله صعبه لبلدك هذا العلم الحاصل بتعليمنا كتب متروسه سواليف بدون تدربب والمعلمين ما يدرون ليش يدرسون الطلاسم والطلاب كا يدرون ليش يحفظون الطلاسم انا مع الغا التعليم وتكليف كل شركة كبرئ بانشا مدرستها الخاصة لموظفيها من بعد المرحلة المتوسطة تخيل سابك الثانوية معهد التصنيع مدرسة الاركان للمقاولات
13
1
40

مراقب نزول

منذ 4 سنه

العلم السلاح الاقوى دائما 

15
1
1328

ابو وارد

منذ 4 سنه

دول العالم المتقدم ما نهضت الا بالعلم و الاستثمار بالعلماء و التقنيات الحديثة دول اخرى لم تستفد من تجارب الاخرين 

16
2
327

2508

منذ 4 سنه

متأكدين ارسال الاطباء للجزائر في 2018.. الجزائر في 2018 لديها الاف الاطباء العاطلين عن العمل 

17
32
4469

(( أبـو هشــام ))

منذ 4 سنه

تجارة الأطباء !!! , مساكين أطباء كوبا استغلتهم حكومتهم أبشع استغلال .

19
43
5110

عاشق المعلومة

منذ 4 سنه

إن كبير القوم لا علم عنده ........ صغير إذا إلتفت عليه المحافل !

بالعلم والمال يبنى الناس ملكهم .......... لم يبن ملك على جهل وإقلال.

21
2
298

دفرنسين مغرز

منذ 4 سنه
الأردن مثلا
22
7
748

Ashik Dubai

منذ 4 سنه

الحكومة ما قصرت ، صرفت وما زالت تصرف المليارات على الإبتعاث

23
0
233

time line

منذ 4 سنه

إنجاز كبير بإمكانات متواضعة،  من يريد الإنجاز لاشئ يمنعه

24
45
5448

Abu Shwayfah

منذ 4 سنه
العلم نور والجهل ظلام .. والغنى يقاس بمقياس العلم وليس المال كما هو حال الجهال....
26
2
231

buahmed06

منذ 4 سنه
الحمد لله عالمياً الطلبة العرب هم أكثر من يدرسون الطب الآن و كذلك العب والمسلمين هم أكثر من يشغلون وظائف الطب في دول الغرب المتقدمة
loader Train
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.